• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

درجة الوعي ومشكلة الإدمان

د. غنيمة حبيب كرم

درجة الوعي ومشكلة الإدمان

يتمتع الأفراد في كلّ المجتمعات بدرجات متفاوتة من الوعي الذي ينعكس بشكل جلي على التصرُّفات والسلوك، حيث لا يمكن أن تتشابه الأُسر في المعرفة والخبرة اللتين تشكلان درجة الوعي لديها، فهناك بعض الأُسر يحاولون بشتّى الطُّرق أن ينكروا وجود مدمن في المحيط الأُسري، مدعين بأنّ ما يمر به المدمن نتيجة ظروف عمرية مؤقتة وسوف تزول عند تجاوز المرحلة، ويبقى الحال كذلك إلى أن تتفاقم مشكلته، ومنها تبدأ رحلة البحث عن العلاج. ولعلّ قلة الوعي لدى الأهالي وخشيتهم على أبنائهم يدفعهم في بعض الأحيان إلى ارتكاب أخطاء جسيمة من خلال تأمين المادّة للمدمن بزعم أنّهم لا يريدون أن يلجأ إلى السرقة، أو إقناعه بتعاطي أنواع أقل خطورة، والذي قد يكون سبباً في تمادي المدمن في الاستمرار بالتعاطي، ويقف ذلك عائقاً أمام رغبته في التعافي طالما استطاع الاستحواذ على عاطفة أُسرته وتفهمهم لحالته.

وهناك أُسر تكون ردود أفعالهم تختلف عمّا ذكرناهم أعلاه، ففي حال اكتشافهم بأنّ هناك مدمناً في أُسرتهم نجدهم يسارعون في البحث عن حلول من دون الالتفات لنظرة المجتمع بعد أن يدركوا بأنّ الإدمان مرض يحتاج علاجاً، وليس جريمة أخلاقية تستوجب العقاب.

وعند توقف المدمن عن التعاطي بعد علاجه نجد هذه الأُسرة تحاول تثقيف نفسها من خلال الاطّلاع على مشكلة الإدمان وطبيعة مرضه، والتعرُّف على المسبّبات التي كان لها دور في إدمانه، وكذلك التعرُّف على الأساليب التي تساعده في استمرارية التعافي، وتحاول الاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين من الأُسر التي لديها نفس الهم وتعاني من نفس المشكلة، ما يجعل الأهالي على درجة أعلى من الوعي، ويحول دون وقوعهم في الأخطاء التي تؤدِّي في النهاية إلى انتكاسته، فالوعي يجعل الأهالي يدركون حجم المشكلة، وهذا يعتبر من أعلى درجات الوعي المكتمل.

وهناك أمثلة أُخرى كثيرة توضّح الحاجة إلى الوعي في مشكلة الإدمان، وما أوردناه من أمثلة كان لتوضيح أهمّية العمل على توفير القدر الكبير من الوعي لدى الأُسر، والحاجة للوعي المكتمل لا ترتبط بالأُسر التي تعاني فقط من وجود مدمن فيها، ولكن الوعي مطلب لجميع الأُسر داخل أي مجتمع، فالوعي المكتمل غاية لابدّ أن نعمل على توفيرها، لأنّه يشكّل طوق أمان لحماية الأفراد من الوقوع في شِرك الإدمان، ويفتح أبواب الأمل للأُسر التي تعاني من وجود مدمن فيها.

ولا تتوقف حاجة الأُسرة للوعي على مشكلة الإدمان وحدها، بل هو سبيل لمواجهة المشكلات الاجتماعية المتنوّعة، وهو كذلك سلّم يمكن أن نرتقي من خلاله لأعلى درجات الرقي والتحضر والنجاح.

ارسال التعليق

Top